الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام
.باب اللقطة: 1- عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب أو الورق؟ فقال: «اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر: فأدها إليه». وسأله عن ضالة الإبل؟ فقال: «مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها», وسأله عن الشاة؟ فقال: «خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب».اللقطة: هي المال المتلقط وقد استعمله الفقهاء كثيرا بفتح القاف وقياس هذا: أن يكون لمن يكثر منه الالتقاط كالهزأة والضحكة وأمثاله.والوكاء: ما يربط به الشيء.والعفاص: الوعاء الذي تجعل فيه النفقة ثم يربط عليه والأمر بمعرفة ذلك: ليكون وسيلة إلى معرفة المال تذكرة لما عرفه الملتقط.وفي الحديث: دليل على وجوب التعريف سنة وإطلاقه: يدخل فيه القليل والكثير وقد اختلف في تعريف القليل ومدة تعريفه.وقوله: «فإن لم تعرف فاستنفقها» ليس الأمر فيه على الوجوب وإنما هو للإباحة.وقوله: «ولتكن وديعة عندك» يحتمل أن يراد بذلك: بعد الاستنفاق ويكون قوله: «ولتكن عندك وديعة» فيه مجاز في لفظ الوديعة فإنها تدل على الأعيان وإذا استنفق اللقطة لم تكن عينا فتجوز بلفظة الوديعة عن كون الشيء بحيث يؤد إذا جاء ربه ويحتمل أن يكون قوله: «ولتكن» الواو فيه بمعنى أو فيكون حكمها حكم الأمانات والودائع فإنه إذا لم يتملكها بقيت عنده على حكم الأمانة فهي كالوديعة.وقوله: «فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه» فيه دليل على وجوب الرد على المالك, إذا بين كونه صاحبها واختلف الفقهاء: هل يتوقف وجوب الرد على إقامة البينة أم يكتفى بوصفه بإماراتها التي عرفها المتلقط أولا؟.وقوله: وسأله عن ضالة الإبل الخ.فيه دليل على امتناع التقاطها وقد نبه على العلة فيه وهي استغناؤها عن الحافظ والمتفقد والحذاء والسقاء هاهنا مجازان كأنه لما استغنت بوقتها وما ركب في طبعها من الجلادة عن الماء: كأنها أعطيت الحذاء والسقاء.وقوله: وسأله عن الشاة- إلى آخر الحديث يريد الشاة الضالة والحديث يدل على التقاطها وقد نبه فيه على العلة وهي خوف الضياع عليها إن لم يلتقطها أحد وفي ذلك إتلاف لماليتها على مالكها والتساوي بين هذا الرجل وبين غيره من الناس إذا وجدها فإن هذا التساوي تقتضي الألفاظ: بأنه لابد منه: إما لهذا الواجد وإما لغيره من الناس والله أعلم..باب الوصايا: 1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ماحق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبين ليلتين إلا وصيته مكتوبة عنده».زاد مسلم: قال ابن عمر ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ذلك إلا وعندي وصيتي».الوصية على وجهين:أحدهما: الوصية بالحقوق الواجبة على الإنسان وذلك واجب وتلك بعضهم في الشيء اليسير الذي جرت العادة بتداينه ورده مع القرب: هل تجب الوصية به على التضييق والفور؟ وكأنه روعي في ذلك المشقة.والوجه الثاني: الوصية بالتطوعات في القربات وذلك مستحب وكأن الحديث إنما يحمل على النوع الأول.والترخيص في الليلتين أو الثلاث دفع للحرج والعسر وربما استدل به قوم على العمل بالخط والكتابة لقوله: «وصية مكتوبة» ولم يذكر أمرا زائدا ولولا أن ذلك كاف لما كان لكتابته فائدة والمخالفون يقولون: المراد وصيته مكتوبة بشروطها ويأخذون الشروط من الخارج.والحديث دليل على فضل ابن عمر لمبادرته في امتثال الأمر ومواظبته على ذلك.2- عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا», قلت: فالشطر يا رسول الله؟ قال: «لا», قلت: فالثلث, قال: «الثلث والثلث كثيير إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في امرأتك» قال: قلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ قال: «إنك لن تخلف فتعمل علما تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على اعقابهم», لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة.فيه دليل على عيادة الإمام أصحابه ودليل على ذكر شدة المرض لا في معرض الشكوى وفيه دليل على استحباب الصدقة لذوي الأموال.وفيه دليل على مبادرة الصحابة وشدة رغبتهم في الخيرات لطلب سعد التصدق بالأكثر وفيه دليل على تخصيص الوصية بالثلث.وفيه دليل على أن الثلث في حد الكثرة في باب الوصية.وقد اختلف مذهب مالك في الثلث بالنسبة إلى مسائل متعددة ففي بعضها جعل في حد الكثرة وفي بعضها جعل في حد القلة فإذا جعل في حد الكثرة استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: «والثلث كثير» إلا أن هذا يحتاج إلى أمرين:أحدهما: أن لا يعتبر السياق الذي يقتضي تخصيص كثرة الثلث بالوصية بل يؤخذ لفظا عاما.والثاني: أن يدل دليل على اعتبار مسمى الكثرة في ذلك الحكم فحينئذ يحصل المقصود بأن يقال: الكثرة معتبرة في هذا الحكم والثلث كثير فالثلث معتبر ومتى لم تلمح كل واحدة من هاتين المقدمتين: لم يحصل المقصود.مثال من ذلك: ذهب بعض أصحاب مالك إلى أنه مسح ثلث رأسه في الوضوء: أجزأه لأنه كثير للحديث فيقال له: لم قلت إن مسمى الكثيرة معتبر في المسح؟ فإذا أثبته قيل له: لم قلت إن مطلق الثلث كثير وإن كل ثلث فهو كثير بالنسبة إلى كل حكم؟ وعلى هذا فقس سائر المسائل فيطلب فيها تصحيح كل واحدة من المقدمتين.وفيه دليل على أن طلب الغنى للورثة راجح على تركهم فقراء عالة يتكففون الناس ومن هذا: أخذ بعضهم استحباب الغض من الثلث وقالوا أيضا: ينظر إلى قدر المال في القلة والكثرة فتكون الوصية بحسب ذلك اتباعا للمعنى المذكور في الحديث من ترك الورثة أغنياء.وفيه دليل على أن الثواب في الإنفاق: مشروط بصحة النية في ابتغاء وجه الله وهذا دقيق عسر إذا عارضه مقتضى الطبع والشهوة فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب حتى يبتغي به وجه الله ويشق تخليص هذا المقصود مما يشوبه من مقتضى الطبع والشهوة.وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات المالية إذا أديت على قصد الواجب وابتغاء وجه الله: أثيب عليها فإنه قوله: «حتى ما تجعل في امرأتك» لا تخصيص له بغير الواجب ولفظة حتى هاهنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المغني كما يقال: جاء الحاج حتى المشاة ومات الناس حتى الأنبياء فيمكن أن يقال: سبب هذا: ما أشرنا إليه من توهم أن أداء الواجب قد يشعر بأنه لا يقتضي غيره وأن لا يزيد على تحصيل براءة الذمة ويحتمل أن يكون ذلك دفعا لما عساه يتوهم من أن إنفاق الزوج على الزوجة وإطعامه إياها واجبا أو غير واجب: لا يعارض تحصيل الثواب إذا ابتغى بذلك وجه الله كما جاء في حديث زينب الثقفية لما أرادت الإنفاق من عندنا وقال لست بتاركتهم وتوهمت أن ذلك مما يمنع الصدقة عليهم فرفع ذلك عنها وأزيل الوهم.نعم في مثل هذا يحتاج إلى النظر في أنه هل يحتاج إلى نية خاصة في الجزئيات أم تكفي نية عامة؟ وقد دل الشرع على الاكتفاء بأصل النية وعمومها في باب الجهاد حيث قال: «لو مر بنهر ولا يريد أن يسقي به فشربت: كان له أجر» أو كما قال: فيمكن أن يعدي إلى سائر الأشياء فيكتفي بنية مجملة أو عامة ولا يحتاج في الجزئيات إلى ذلك.وقوله عليه السلام: «ولعلك أن تخلف» الخ تسلية لسعد على كراهيته للتخلف بسبب المرض الذي وقع له وفيه إشارة إلى تلمح هذا المعنى حيث تقع بالإنسان المكاره حتى تمنعه مقاصد له ويرجو المصلحة فيما يفعله الله تعالى.وقوله عليه السلام: «اللهم أمض لأصحابي هجرتهم» لعله يراد به: إتمام العمل على وجه لا يدخله نقض ولا نقض لما ابتدئ به.وفيه دليل على تعظيم أمر الهجرة وأن ترك إتمامها مما يدخل تحت قوله: «ولا تردهم على أعقابهم».3- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الثلث والثلث كثير».قول ابن عباس: قد مرت الإشارة إلي سببه وقد استنبطه ابن عباس من لفظ كثير وإن كان القول الذي أقر صلى الله عليه وسلم عليه وأشار لفظه إلى الأمر به- وهو الثلث- يقتضي الوصية به ولكن ابن عباس قد أشار إلى اعتبار هذا بقوله لو أن الناس فإنها صيغة فيها ضعف ما بالنسبة إلى طلب الغض إلى مادون الثلث والله أعلم..باب الفرائض: 1- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر».وفي رواية: «اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما تركت: فلأولى رجل ذكر».الفرائض: جمع فريضة وهي الأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى: النصف ونصفه وهو الربع ونصف نصفه وهو الثمن والثلثان ونصفهما وهو الثلث ونصف نصفهما وهو السدس.وفي الحديث: دليل على أن قسمة الفرائض تكون بالبداءة بأهل الفرض وبعد ذلك: ما بقي للعصبة.وقوله: «فما بقي فلأولى رجل ذكر» أو «عصبة ذكر» قد يورد هاهنا إشكاله وهو أن الأخوات عصبات البنات والحديث يقتضي اشتراط الذكورة في العصبة المستحق للباقي وجوابه: أنه من طريق المفهوم وأقصى درجاته: أن يكون له عموم فيخص بالحديث الدال على ذلك الحكم أعني: أن الأخوات عصبات البنات.2- عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة؟ قال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع؟», ثم قال: «لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر».الحديث دليل على انقطاع التوارث بين المسلم والكافر.ومن المتقدمين من قال: يرث المسلم الكافر والكافر لا يرث المسلم وكأن ذلك تشبيه بالنكاح حيث ينكح المسلم الكافرة الكتابية بخلاف العكس والحديث المذكور يدل على ما قاله الجمهور.وقوله صلى الله عليه وسلم: «وهل ترك لنا عقيل من دار؟» سببه: أن أبا طالب لما مات: لم يرثه علي ولا جعفر وورثه عقيل وطالب لأن عليا وجعفرا كانا مسلمين حينئذ فلم يرثا أبا طالب: وقد تعلق بهذا الحديث في مسألة دور مكة وهل يجوز بيعها أم لا؟.3- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته).الولاء حق ثبت بوصف وهو الاعتاق فلا يقبل النقل إلى الغير بوجه من الوجوه لأن ما ثبت بوصف يدوم بدوامه ولا يستحقه إلا من قام به ذلك الوصف وقد شبه الولاء بالنسب قال عليه السلام: «الولاء لحمة كلحمة النسب» فكما لا يقبل النسب النقل بالبيع والهبة فكذلك الولاء.4- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت وأهدي لها لحم فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة على النار فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال: «ألم أر البرمة على النار فيها لحم؟» قالوا: بلى يا رسول الله ذلك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه فقال: «هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية», وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: «إنما الولاء لمن أعتق».حديث بريرة: قد استنبط منه أحكام كثيرة وجمع في ذلك غير ما تصنيف وقد اشرنا إلى أشياء منها في مواضع فيما مضى وقد صرح هاهنا بثبوت الخيار لها وهي أمة عتقت تحت عبد فيثبت ذلك لكل من هو في حالها.وفيه دليل على أن الفقير إذا ملك شيئا على وجه الصدقة: لم يمتنع على غيره ممن لا تحل له الصدقة أكله إذا وجد سبب شرعي من جهة الفقير يبيحه له.وفيه دليل على تبسط الإنسان في السؤال عن أحوال منزله وما عهده فيه لطلبه من أهله مثل ذلك.وفيه دليل على حصر الولاء للمعتق وقد تكلمنا عليه فيما مضى.
|